قد لا يمكننا فهم كنه الحياة الإنسانية لشدة تعقيدها، لكننا نحاول فهمها من خلال تلمّس بعض الآثار، فمن آثار هذه الحياة :
الوعي والتحرك :
كلما ازداد وعي المجتمع وروح الاندفاع والحركة فيه كان أقرب للحياة، وكلما قل إدراكه ووعيه وخمدت فيه روح الحركة كان أقرب إلى الموت، وهذا معيار هام لتمييز ما هو من الإسلام ممّا هو دخيل عليه، لأن الإسلام دين الحياة والتقدم والوعي، ولا ينسجم أبدا مع الموت والفتور والجهل، لكن إذا نظرنا إلى واقعنا اليوم وجدنا أننا نحترم الساكن الراكد بدل أن نحترم ونقدر المتحرك، وهذا مظهر من مظاهر الانحطاط في مجتمعنا .
بين أفراد المجتمع، وهو يزداد كلما كانت روح الحياة نابضة أكثر في المجتمع، وإذا ضعف هذا الترابط اتجه المجتمع نحو الموت، وهذا معيار آخر يمنحنا فهم مجتمعنا الإسلامي هل هو حي أو هو ميت .
فالمجتمع الإسلامي الواقعي مجتمع حيّ بسبب الترابط والتعاضد بين أفراده .
( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ).
هذه الحمى ليست عملية مواساة فحسب، وإنما هي حالة نفير عام لكل الأعضاء لمواجهة العدو الداهم على العضو المصاب .
بينما المجتمع الإسلامي المعاصر تمزقه الخلافات والصراعات الداخلية التي يراهن عليها أعداء الإسلام، فأين المسلمون من الترابط؟ لقد بدأ الموت يدب في جسد الأمة منذ أن استشرى بين أفرادها الانحراف والتفكك، فقد اقتطع الأعداء الأندلس وذلك الجزء العزيز من جسد الإسلام، ثم اقتطعوا فلسطين أُولَى القبلتين ولم يظهر من المسلمين أي ردّ فعل حقيقي ينبئ عن وجود حياة في سائر الأعضاء، والسبب هو الانغماس في صراعات داخلية وطائفية، فأين المسلمون من قول الرسول الأكرم (ص) : " من سمع مسلما ينادي يا لَلمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم " .
الأحياء منهم بالدرجة الأولى، لأن تكريم الأموات قد لا ينمّ عن ظاهرة حياة، وخير مثال على الشخصيات الحية العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ، فهو مثال التقوى والورع، وهو عالم مفكر قدّم للمسلمين علما واسعا لا سيما كتابه الميزان في تفسير القرآن، الذي يعتبر أفضل تفسير كتب حتى الآن، مع الاعتراف بأهمية التفاسير الأخرى، وهو العالم الذي يعيش آلام الأمة وهمومها، ولا أدل على ذلك من موقفه تجاه القضية الفلسطينية، حيث تصدى لجمع تبرعات مالية للأخوة الفلسطينيين، وهو الرجل الذي ذاع صيته خارج إيران، بل تجاوز العالم الإسلامي، والعلماء المسلمون يتوافدون عليه من كل حدب وصوب وقد زاره أخيرا الأستاذ علال الفاسي من المغرب معربا عن إعجابه بهذه الشخصية العظيمة، كما أن المستشرقين على علم بمكانة وقدر هذا المفكر الإسلامي .
وبالأفراد الذين صنعوا التاريخ بدمهم يؤكد أن المجتمع حيّ أبيّ الضيم لا ينثني أمام التحديات والصعاب، ومن هنا كانت تعاليم الأئمة عليهم السلام، تؤكد على مخاطبة الشهداء .
" يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً ".
والبكاء على الشهيد وإحياء ذكراه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق