الاثنين، 5 ديسمبر 2011

أصول القيادة - الشهيد مطهري

القيادة التي يبحث عنها القران الكريم هي الزعامة المتجهة نحو الله تعالى في بعديها الاجتماعي والمعنوي، بخلاف ما يفهمه البشر في العالم المعاصر من القيادة بأنّها مجرّد زعامة اجتماعية، لأنّه يحتاج إلى القيادة بطبيعته، وقيمة هذه القيادة تبتني على ثلاثة أصول:





فقد اهتم القران الكريم بتوجيه الإنسان إلى معرفة نفسه، وما أودع له الله من قوى كبيرةٍ كامنةٍ فيه، فهو أعرف من الملائكة بالأسماء ممّا جعلها تسجد له، وهو أرفع الموجودات جميعاً، كلّها مسخرة لخدمة مصالح الإنسان (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)، و(أَلَمْ تَرَوْا أَنّ‏َ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) .


فالإنسان يختلف عن الحيوان من حيث الغرائز وطبيعتها، وهو أضعف منها في هذا المجال، فالحيوانات مجهزة بمجموعةٍ من الغرائز تُسيِّرها وتقودها وتنظِّم لها حياتها، فهي لا تتعدّاها، إلا أن الإنسان ليس كذلك، فهو من جهة يمتلك قوى أكبر وأكثر من الحيوانات، لكن لم يودع الله فيه غرائز كثيرةً جداً، وإنما ألقى على عاتقه قيادة نفسه، فالإنسان يفتقر إلى الغرائز الداخلية التي تقوده، ولذلك احتاج للموجِّه الخارجي، وهذه فلسفة بعثة الأنبياء (ع)، فإنهم بعثوا لأجل تربية هذه الغرائز، وتعريف الإنسان على النفائس المكنونة في أعماقه، وكيف يستخدمها ويستفيد منها بالشكل الصحيح، ومن ثم توجيه الإنسان والقوى البشرية لتسير على الطريق المستقيم، ويحثونه على الحركة والعمل، وبالتالي تتحقق القيادة الحكيمة للقوى البشرية.


هناك مجموعة من القوانين والأصول الحاكمة على سلوك الإنسان وتصرفاته، والذي ينصّب نفسه قائداً وزعيماً للبشر عليه أن يتعرّف على هذه القوانين الحاكمة، لأنها مفتاح السيطرة على قلوب الناس، فيرسم لهم طريق العمل بها ويحثَّهم على الاستفادة منها بالشكل الصحيح، وتعبير القران الكريم بحقّ الرسول الأكرم (ص) مثير للدهشة حيث يقول: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيّ‏َ الْأُمِّيّ‏َ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ‏ُ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) ، فهذه الأثقال ليست إلا التقاليد والخرافات، وهذه الأغلال ليست إلا عادات روحيّة تكبّل استعداداته وطاقاته المعنوية الزاخرة التي أدّت به إلى الجمود والشقاء واليأس، ويأتي دور النبي بالقيادة من بُعدها الاجتماعي ليطلق سراح هذه القوى المقيَّدة، ويبثّ فيها النشاط والحيوية، ويأخذ بيدها في المسار الصحيح، فيجعل من أضعف الشعوب، بسبب القيادة الحكيمة، أمّة قويّة لا يفوقها قوّة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق