الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

وجهان لواقعة كربلاء - الشهيد مطهري



ان واقعة عاشوراء و معركة كربلاء لها وجهان، وجه أبيض و نوراني و الآخر مظلم و أسود قاتم السواد و كلتا الصفحتين اما لا نظير لهما أو نادرتان جدا. أما الصفحة السوداء و المظلمة فانها كذلك لأنها عبارة عن جريمة نادرة أو لا نظير لها أبدا.


لقد فكرت مرة بدرجة و حجم الجريمة المرتكبة في عاشوراء فرأيت أن واحدا و عشرين نوعا من أنواع الرذالة و اللؤم قد ارتكب كحد أدنى في هذه الواقعة و لا أعتقد أن هناك واقعة أخرى في الدنيا يمكن لها أن توازي مثل هذه الواقعة في حجم تنوعها. بالطبع يوجد هناك في تاريخنا الحروب الصليبية التي لم يترك فيها الأوروبيون مجالا للتعجب عندما ينظر الى سواها من حوادث التاريخ الاجرامي. و اذا كنت قد ترددت في الادعاء بعدم وجود شبيه لحادثة كربلاء من ناحية حجم الجريمة فالسبب انما يعود لحجم الجريمة التي ارتكبها الغربيون في المعارك الصليبية و كذلك الجرائم التي ارتكبها هؤلاء الاوروبيون أنفسهم في الأندلس الاسلامية و هي عجيبة للغاية. و في هذا المجال أدعوكم للرجوع الى كتاب "تاريخ الأندلس" للمرحوم آيتي المطبوع من قبل جامعة طهران وهو كتاب تحقيقي نفيس.


يقول المؤلف في هذا الكتاب:
" ان الاوروبيين كانوا قد سمحوا لمائة ألف من الرجال و النساء و الأطفال أن يخرجوا من منازلهم و يتوجهوا حيث يشاؤون و لكنهم ما أن تحركوا بشكل جماعي حتى نقض الأوروبيون العهد و ربما كانت الخطة خدعة مدبرة من الأساس للايقاع بهم. على اي حال فانه ما ان تحركت الجموع حتى صدرت الأوامر بارتكاب المجزرة و قطع رؤوس الجميع بعد تقتيلهم شر قتلة."
ان الشرق لن يصل في حجم جرائمه الى الغرب. انك لو طالعت تاريخ الشرق كله بما فيه التاريخ الأموي فانك سوف لن تعثر على هذين النوعين من الجرائم و هي حرق البشر و هم أحياء و الثانية ممارسة القتل الجماعي للنساء لكنك ترى مثل هذا النوع من الجرائم في تاريخ الغرب يتكرر باستمرار. ان قتل النساء امر شائع في تاريخ الغرب. لا تصدقوا ان الغربيين يملكون روحا انسانية في داخلهم. ان ما جرى في فيتنام يشكل امتدادا لروح الحروب الصليبية و معارك الأندلس. ان قتل مئات الألوف من الناس و هم أحياء خلال رميهم في أفران الغاز حتى و ان كانوا مجرمين امر لا يفعله الانسان الشرقي، و لا يمكن لمثل هذه الجريمة أن تحصل على يد الشرقيين. ان هذا العمل لا يحصل الا على يد غربيي القرن العشرين فقط.


ان جريمة ترك عشرات الألوف من الأسرى يموتون في صحراء سيناء من الجوع و العطش خوفا من تبعات أسرهم عمل لا يصدر الا عن الغرب و الغربيين. ان الشرقي لا يرتكب مثل هذه الجريمة. ان اليهودي الفلسطيني أشرف من اليهودي الغربي. على كل حال فانني لا أستطيع القول بأن جريمة مثل جريمة كربلاء  لم تقع و لن يقع مثلها في العالم لكنني أستطيع القول بأنها لا مثيل لها في العالم الشرقي.
من هذه الزاوية يمكننا القول بأن واقعة كربلاء تمثل مأساة كاملة، و مصيبة عظمى، و ملحمة رثائية. و عندما نتفحص في هذا الوجه منها ترى قتل الأبرياء و الشباب و الأطفال الرضع، و سحق جثث الموتى بحوافر الخيل، و منع المياه عن الانسان، و معاقبة النساء و الأطفال بجريمة آبائهم و أزواجهم، و تعذيب الأسرى من خلال اجبارهم على ركوب الجمال و هي عارية من سروجها...الخ فمن هو بطل الواقعة من وجهو النظر هذه؟


انه لأمر واضح هنا بأن البطل من هذه الزاوية الجنائية ليس ذلك الذي يتحمل الضربات فهو لا شك المظلوم في هذا الجانب. ان بطل الواقعة من هذه الزاوية هو يزيد بن معاوية و عبيد الله بن زياد و عمر بن سعد و شمر بن ذي الجوشن و خولى و آخرون، و لذلك فاننا عندما نطالع الصفحة السوداء من هذا التاريخ سنرى صورة الجريمة و الرثاء فقط لعالم البشرية. فلو أردنا قول الشعر هنا ماذا علينا أن نقول؟ علينا أن نقرأ المنظومات الرثائية و لا نجد شيئا نقوله سوى الرثاء.
و لكن هل أن تاريخ عاشوراء هو هذه الصفحة فقط؟


هل ان عاشوراء عبارة عن رثاء فقط؟ هل هي مصيبة و ليست شيء آخر؟


ان خطأنا هنا بالذات، حيث هذه الواقعة لها صفحة أخرى بطلها هذه المرة ليس ابن معاوية و ليس ابن زياد و ليس ابن سعد و لا الشمر. بطلها هنا هو الحسين عليه السلام. و في هذه الصفحة ليس للجريمة مكان و لا مكان للمأساة أيضا، انها صفحة الحماس و الملاحم و الفخر و النورانية و تجلي الحقيقة و الانسانية و تقديس الحق، و عندما نقرأ هذه الصفحة نستطيع القول بأن من حق البشرية أن تطير من الفرح. لكننا عندما نطالع تلك الصفحة المظلمة نرى أن البشرية قد نكست رأسها خجلة مفضوحة و هي ترى نفسها مصداق الآية الشريفة: "قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ".