لا بدّ لنا لمعرفة معنى التقوى وحقيقتها، من ذكر مقدمة، وهي:
لو أراد إنسان ما أن تكون له مبادئ وأهداف في الحياة، وأن يسير وفق تلك المبادئ للوصول إلى أهدافه المنشودة، فلا بدّ له من أن يختط لنفسه مساراً معيناً لا يحيد عنه مهما نازعته أهواؤه ومصالحه ونزواته إلى ذلك، وبالتالي يكون عليه أن يحافظ على نفسه من الأمور التي تتفق مع أهوائه ونزواته، وتتنافى مع الأصول والأهداف التي اتخذها لنفسه.
ومن هنا نعرف أنّ التقوى بمعناها العام لازمة لحياة كلّ فرد يريد أن يكون إنساناً، وأن يحيا تحت حكم العقل، وأن يتبع قواعدَ وأصولاً معينة.
وأما التقوى الدينية فهي أن يحافظ الإنسان على نفسه، ويصونها عن ارتكاب كلّ ما يراه الدين خطأً وإثماً وفساداً وقبحاً، وهذه التقوى يمكن أن تتصّور بصورتين:
الأولى: وهي أن يهرب الإنسان من مجتمعه ومحيطه الفاسد المليء بالآثام والمعاصي، وبهذا الهروب يمكنه الحفاظ على نفسه من ارتكاب المعاصي والآثام والأوزار، كمن يتجنب البقاء في محيط موبوء بالملاريا فيهرب إلى مكان نقي لا مرض فيه.
الثانية: وهي أن يبقى المرء في مثل ذلك المجتمع الفاسد، على أن يوجد في نفسه قوّة وملكة تورثه مناعة روحية وأخلاقية تجعله لا يتأثر بهذه الآثام، ولا يقترب منها، مهما كانت المغريات كبيرة، ومهما كانت جاذبيتها شديدة، كمن يتناول لقاحاً ضدّ الملاريا ويبقى بين المرضى فإنّه لا يتأثر بالمرض أبداً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق